نيلــــــــــــــــــــــــــــــــسون مانديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا
يعتبر مانديلا واحدا من الزعماء السياسيين القلائل الذين ميزوا حقبة القرن العشرين بنضالهم ضد الظلم والجور لفترة طويلة، قضى معظمها في غياهب السجون المظلمة. لكن إيمانه بعدالة قشضيته وسمو مطلبه أنار له حياة القيد والأغلال، فمضى غير آبه بآلامه ولا كيد أعدائه، سلاحه العزيمة واليقين بغد مشرق.. حتى صار له ما أراد وصار هو لمن خلفه مثلا يقتدى وعلَما به يهتدى.
ولد روليهلاهلا مانديلا (نيلسون مانديلا) ببلدة مفيزو قرب مْثَاثا بمدينة ترانسكي الجنوب إفريقية في 18 يوليوز 1918 في أسرة ذات جاه حيث كان والده زعيم قبيلته. ولما توفي الوالد خلفه ابنه ولم يتجاوز عمره العشرين ربيعا، فكان لهذا الأمر عظيم الأثر في بناء شخصية مانديلا القيادية في ما سيأتي من أيامه.
وتلقى مانديلا تعليمه الابتدائي في إحدى المدارس المسيحية المحلية حيث سيحمل لقب نيلسون. بعد ذلك انتقل إلى كلاكبوري ثم هيلد تاون حيث حصل على الشهادة الإعدادية والشهادة الثانوية على التوالي. ثم التحق بجامعة فورت هار لنيل الإجازة في الفنون التي سيفصل منها سنة 1940 بمعية صديقه أوليفير تامبو، بتهمة المشاركة في إضراب طلابي.
لكن مانديلا ظل مصمما على إتمام دراسته، فانتقل إلى جوهانسبورك حيث سيتمكن من الحصول على الإجازة في الفنون من جامعة جنوب إفريقيا سنة 1942، وبعدها بفترة وجيزة سيشرع في دراسة الحقوق في جامعة ويتواتيرساند التي سيتركها سنة 1948 قبل التخرج. أثناء ذلك، سيتعرف نيلسون بإيفلين مازي، ثم سيتزوجان لينجبا أربعة أبناء، زواج لم يعمر طويلا حيث تطلقا سنة 1958. هذا الإخفاق الأسري، سيقابله نجاح على المستوى السياسي، حيث التحق مانديلا بالمؤتمر الوطني الإفريقي المعارض للميز العنصري سنة 1943 وكان له دور في إنشاء "اتحاد الشبيبة" التابع للمؤتمر كما أشرف على إعداد برنامج عمله، الذي سيتبناه المؤتمر سنه 1949.
وفي سنة 1952 تزعم مانديلا "حملة التحدي" التي أطلقها المؤتمر الوطني الإفريقي ضد القوانين الجائرة وجاب جنوب إفريقيا طولا وعرضا يعرف المواطنين بالتشريعات المجحفة التي تصدرها الأقلية الحاكمة والتي لا تراعي أبسط حقوق الأكثرية السود، ويحثهم على ضرورة التصدي لها ومقاومتها. وقد ألقي القبض على الزعيم الأسمر، وحوكم بتهمة المشاركة في "الحملة" لكن المحكمة أمرت بإخلاء سبيله بعدما تبين أن دعوته كانت سلمية بعيدة عن العمل المسلح، مع إبعاده إلى جوهانسبورغ لمدة 6 أشهر ومنعه من جميع أشكال التظاهر مشاركة وتنظيما.
وخلال فترة المنع تلك، نجح مانديلا في امتحان المحاماة، وأسس مع شريكه أوليفير تامبو أول مكتب للمحاماة يملكه محاميان أسودان، في قلب مدينة جوهانسبورغ. لكن دراية صاحبنا بالقانون لم تمنعه من تذوق مرارة الإهانة عندما أمرتهما السلطات بنقل مكتبهما إلى أطراف المدينة البعيدة لتعسير وصول الزبائن إليهما وبالتالي إجبارهما عن التخلي عن مهنتهما التي كانا يسعيان من خلالها إلى نصرة الضعفاء وإنصاف المظلومين من بني جلدتهم قبل أية أهداف أخرى. بعد ذلك سيتعرض مانديلا إلى سلسلة من الضغوطات من قبل الأجهزة الأمنية وكذا مختلف الدوائر الرسمية، ستجبره على الإعلان عن تخليه عن كافة مناصبه في المؤتمر الوطني بشكل رسمي، دون أن يشفع له ذلك أمام سلطات القمع والطغيان التي ستقوم بإدراج اسمه على لائحة المتهمين بالخيانة العظمى. لكنه سيتمكن هو وزميله دوما نوكوي من إثبات براءته. وبعد الإفراج عنه على خلفية مجزرة شاربفيل التي سقط فيها المئات من القتلى السود سنة 1960 وحظر جميع انشطة المؤتمر الوطني الإفريقي، عاد مانديلا ليتولي المقاومة السرية. وفي رسالة نارية وجهها إلى نظام الميز العنصري الحاكم آنذاك، طالب بضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد يمثل جميع مواطني جنوب إفريقيا، من أجل إيجاد دستور جديد مبني على أسس ديمقراطية حقيقية، ويكفل للمواطنين السود حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المشروعة. وحذر الحكومة من أن عدم استجابتها لهذا المطلب سيدفع الجماهير السوداء إلى الانتفاضة وإعلان التمرد الشامل... وقد شهدت هذه الفترة تحولا نوعيا في نهج المقاومة الذي تبناه مانديلا منذ بدايات كفاحه، حيث سينشئ ما عرف بالجناح العسكري للمؤتمر الوطني، الذي سيشن عددا من الغارات على بعض الأهداف الحكومية. وفي سنة 1962 سيغادر مانديلا البلاد باسم " دافيد موتسامايي" في رحلة قادته إلى عدد من الأقطار الإفريقية، مثل غانا وسيراليون والسنغال... حيث حظي باستقبال رسمي حفي، وألقى فيها خطابات حول حق الشعوب الإفريقية في استرداد حريتها المسلوبة. وفي الجزائر سيتلقى مانديلا تدريبا عسكريا وسيقوم بترتيب دورات تدريبية لفائدة عناصر الجناح العسكري الذي يتزعمه. ومباشرة بعد عودته سيتعرض القائد الثائر للاعتقال لمدة 5 سنوات، بتهمة مغادرة البلاد بدون ترخيص والتحريض على أعمال العنف. وقبل انقضاء مدة هذه العقوبة، سيحكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة على خلفية ما عرف "بمحاكمة ريفونا" التي ورد فيها اسمه والتي لم تحد عن مثيلاتها من المحاكمات السياسية السابقة.
اعتقد سجانو مانديلا أن السجن سيكسر شوكته ويخرس صوته بل، وربما دفعه إلى تغيير مواقفه والعدول عن مطالبه، لكن التاريخ اثبت أنهم كانوا في الحقيقة واهمين. فالرجل ظل متشبثا بآرائه، ينادي بالعدل والمساواة والكرامة لجميع مواطنيه، رغم العروض المغرية التي عرضت عليه، إلى أن تم إطلاق سراحه في 11 فبراير 1990، حيث سيعلن وقف المقاومة المسلحة وسيشرع في مفاوضات مع حكومة فريديك دوكليرك التي كانت تقود البلاد وقتئذ، ستنتهي بالتصويت على دستور جديد في البرلمان سنة 1993 يعتمد مبدأ الأكثرية ويسمح للمواطنين السود بحق التصويت. وفي تلك السنة نفسها سيحصل نيلسون مانديلا المنتصر على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع غريمه دوكليرك، إضافة إلى العديد من الشواهد التقديرية والتكريمات التي ستخصه بها جامعات ومؤسسات مرموقة من مختلف أنحاء العالم.
وقد تم انتخاب روليهلاهلا نيلسون مانديلا رئيسا لجنوب إفريقيا الديمقراطية في 10 ماي 1994. قبل أن يقرر عدم الترشح لولاية جديدة في انتخابات سنة 1999 والتفرغ لعائلته وتسخير ما ادخره من جهد في دبلوماسية الكواليس.
تاريخ الميلاد: 18/07/1918